الصغیرة زینب... علی طریق زینب الکبری | ||
الصغیرة زینب... علی طریق زینب الکبری یسری شکری عاد بها الزمان إلى الماضی...تذکرت یوم عادت أمها من المستشفى تحمل بین یدیها طفلة صغیرة...هی أختها الصغیرة، کم فرحوا بها...استقبلوها بحفاوة کبیرة...وکلهم یریدون أن یحملوها وأن یلاعبوها...وأمها تنهرهم رغم ما یبدو علیها من التعب وتقول: ـ ((اذهبوا یا أولاد...أختکم ما زالت صغیرة ولایمکنکم أن تحملوها الآن، انتظروا حتى تکبر قلیلاً)). ـ ((ماذا سنسمیها یا أمی؟)). ـ ((لا أدری...والدک هو من یختار الأسماء)). لم تکد أمها تکمل کلامها حتى سمعوا صوته فی الخارج...تسابقوا لکی یزفّوا إلیه الخبر السعید...ثمّ واکبوه إلى غرفة النوم...حیث الصغیرة نائمة...حملها بین یدیه...قرأ بصوت منخفض الأذان فی أذنها الیمنى...والإقامة فی الیسرى....وتلألأ وجهه بشراً.... قالت له أبنته: ـ ((ماذا ستسمیها یا أبی؟)). وجّه کلامه إلى إحدى قریباتنا یسألها: ـ ((ما رأیت یا امرأة؟ ماذا نسمّیها؟)). ـ ((استغفرالله العظیم...الفتاة رقم خمسة وهو محتار فی تسمیتها)). ـ ((استغفری ربک یا سیدة...أما زلتم تفکرون بطریقة أهل الجاهلیة...وما الفرق بین الذکر والأنثى...ألا تعلمین أن الفتاة رحمة من الله سبحانه؟ سوف أختار لها أجمل الأسماء)). فکّر ملیاً قال: ((سأسمّیها صفیة)). شهقتُ وقالتُ باستنکار: ((ماذا!... ما هذا الاسم یا أبی؟ إنه اسم یناسب العجائز...یوجد الکثیر من الأسماء الجمیلة. رحاب مثلاً )) ـ ((إذا کنت مصرّاً فسمّها صفاء...بدلاً من صفیة، على الأقل یکون اسماً حدیثاً)). ـ ((تعالی یا ابنتی ألا تحبین أختک؟)). ـ ((طبعاً أحبها...أحبها کثیراً)). ـ ((إذن اسمعی...لقد اخترت لها اسماً شرّفته زینب بطلة کربلاء... وزهراء اسمک کان لسیدة نساء العالمین...أما سمیة فکانت أول شهیدة فی الإسلام...وإصلاح کان الهدف من ثورة الحسین...وأحمد اسم من أسماء رسول الله...إذن لنتخیّل أن أختک کبرت وعلمت أننی اخترت لکل منکم اسماً خالداً لأحد العظماء فی تاریخنا الإسلامی، واخترت لها اسماً غیر معروف...ألن تکون حزینة؟ هل ترضین أن تحزن أختک؟)). ـ ((کلا...ولکن من هی زینب؟)). ـ ((زینب بنت علی سلام الله علیها...هی حفیدة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وهی امرأة عظیمة قدمت خدمات جلیلة للإسلام...ماذا؟ هل أعجبک الاسم الآن؟)) حرّکت رأسها موافقة:طبعاً سیعجبنی...لقد کان بارعاً فی فنّ الاقناع. کبرت زینب واصبح عمرها تسع سنوات عندما اجتاحت ((إسرائیل)) لبنان..رأت الدبابات المعتدیة...والجنود المدجّجین بالسلاح...وکل تلک الآلیات والمدافع...وخوف الکبار... والحیرة والذهول...کل هذه الأجواء جعلت الخوف یتغلغل إلى نفوس الصغار... استمرت حالة الذعر هذه حوالی الشهرین..کان والدهم خلالهما مسافرا...ولکنه عاد...عاد وبدأت الاجتماعات والجلسات مع الشباب...مع العجائز...مع النساء... وحتى مع الأطفال...أراد أن یجتث هذا الخوف من النفوس...والقلوب...کان یحدّث الجمیع عن القوّة الکامنة فی أعماقهم... قوّة محمد وعلیّ والحسن والحسین علیهم السلام....ویحدثهم عن ضعف العدو الصهیونی... ویسخر منهم ومن قوتهم المزعومة...یحثّ الجمیع على مقاطعة الأعداء...على مقاومتهم...وحتى على اظهار الغضب على الوجوه أمامهم...تغیرت المواقف...تغیرت المشاعر...بدأ الذعر یتلاشى من النفوس شیئاً فشیئاً. وفی یوم من الأیام...وصل إلى منزل جدّتهم ...وکانوا مجموعة من الأطفال...یتحدثون عمّا جرى معهم بحماس کبیر...جلس على حجر إلى جانب الدار... وبدأ یکلمهم فرداً فرداً...یسألهم عن هذه الفرحة المرتسمة على الوجوه...أخبروه بأن دوریة إسرائیلیة مرت بجانبهم...ورمت إلیهم الشوکولاتة والحلوى...فالتقطوها من الأرض...ورشقوا الإسرائیلیین بها. فرح...فرح کثیراً بهم...وقال: ((أحسنتم...أحسنتم أیها الأبطال الصغار...تعالوا إلیّ....کل من رشق الدوریة له قبلة على جبینه))...أحاطوا به کلهم....تزاحموا حوله....فکلهم یرید هذه القبلة....اکلیل المجد على رؤوسهم.... ـ ((أبی أرید أخبرک شیئاً....أحمد یخاف عندما یرى دوریة الیهود...ویهرب))(احمد فی الرابعة عشر من العمر)ناداه...((تعال یا أحمد اجلس هنا...)) أشار إلى رکبته... (هل تخاف حقاً من الیهود؟). هزّ احمد رأسه مجیباً بنعم.... ـ ((لماذا تخاف منهم...هؤلاء جبناء...هل تعلم یا احمد أنک إذا عبست فی وجوههم سوف یخافون ویهربون منک؟)). بقی احمد صامتاً یستمع إلیه....صمت لفترة طویلة...ولکنه لم یهرب منهم بعد ذلک الیوم....بل أنه عبس فی وجوههم...ثم امتشق سلاحه وراح یطاردهم....من موقع إلى موقع...ومن وادٍ إلى وادٍ...ومن تل إلى تل... حتى هربوا منه ومن کل الوطن.. ومعه اخته الصغیرة زینب تبثّ فیه، روح الشجاعة والبطولة والشهامة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,388 |
||